معركة الدفاع عن مقبرة القسام المهددة بالتجريف تدخل مرحلة جديدة

(تم نشر هذا التقرير على صفحة “حراك حيفا” في موقع فيسبوك)
تعرف “مقبرة القسام”، الواقعة في بلدة “بلد الشيخ” المهجرة، بأنها “أكبر مقبرة شهداء” في الداخل الفلسطيني.
تم إنشاء المقبرة الإسلامية في قرية بلد الشيخ، في ثلاثينات القرن الماضي، جنوب-شرق مدينة حيفا، لخدمة سكان حيفا والقرى المجاورة، وقد اشتهرت المقبرة باسم “مقبرة القسام” بعد أن دُفن فيها الشيخ المجاهد عز الدين القسام ومرافقيْه الاثنين الذين استشهدا معه في معركة ضد جيش الاحتلال البريطاني بالقرب من يعبد في شهر تشرين ثاني عام 1935. كما دُفن في المقبرة العديد من الثوار وشهداء الثورة الفلسطينية في سنوات 1936-1939 وضحايا المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد المواطنين العرب الفلسطينيين مثل مجزرة المصفى ومجازر بلد الشيخ والحواسة.
بعد نكبة عام 1948 وتهجير غالبية سكان حيفا وقرى المنطقة، صارت المقبرة هدفًا لمطامع السيطرة الصهيونية من قبل الدولة ومن قبل أوساط رأسمالية، وكلهما شريكة في عملية السرقة والنهب برعاية المحاكم الصوَرية الاستعمارية. ولكن، لحسن الحظ، كانت المقبرة مسجلة باسم “وقف الاستقلال” التابع للطائفة الإسلامية في حيفا. وعلى الرغم من النكبة، فقد حافظت الطائفة على استمرارية وجودها، ولم يتمكن الطامعون من الاستيلاء على أراضي هذا الوقف، بما فيها مقبرة القسام، بادعاء أنه مصنف كـ “أملاك غائبين”، كما كان مصير العديد من المساجد والمقابر والمؤسسات وأراضي الوقف.
من هذه النقطة، بدأت حلقات مسلسل طويل من محاولات التحايل، منذ خمسينيات القرن الماضي، بهدف شطب قدسية المقبرة وملكية الوقف وتحويلها إلى أراضي عقارات لأغراض المضاربة. فقد تم تقسيم أرض المقبرة إلى ثلاث “قسائم” أرض يعترف بواحدة منها فقط كأرض مقبرة، وتمّت مصادرة القسيمتين الأخريين. وقامت “الدولة” بتأجير، ومن ثم بيع، إحدى القسائم لشركة خاصة اسمها “كيرور أحزكوت”. وقامت أجهزة النهب بتعيين “متولي للوقف” متعاون مع الحكومة لا علاقة له بأصحاب الحق، حيث أبرمت معه “صفقات” مشبوهة لتبرير عمليات الاستيلاء…
إلا أن الجمهور العربي لم ينسَ المقبرة مع مرور السنين، بعد تهدمها نتيجة للإهمال وعمليات التخريب، كما خططت السلطات، فقد تحوّلت قضية مقبرة القسام إلى قضية مركزية للجمهور العربي الفلسطيني في حيفا والمنطقة.
في عام 1989 قامت حركة ابناء البلد بيوم عمل تطوعي كشفت فيه معالم القبور من تحت غابة من الشوك. وقد اندلعت معركة جماهيرية طويلة في بداية الالفين ضد بناء شارع 752 في أرض المقبرة، بما فيها اعتصام شباب الحركة الإسلامية ليلًا ونهار في أرض المقبرة، وانتهت بالانتصار الرمزي مع تمرير الشارع فوق جسر بشكل يمنع المس بالقبور. ومع مر السنين استطعت الطائفة الإسلامية في حيفا أن تتخلص من سيطرة العملاء على لجنة متولي الوقف وتم تعين لجنة أخرى تعمل على استرجاع الأراضي المصادرة والحفاظ على قدسية المقابر.

في المراحل الأخيرة من المؤامرات ظهرت شركة “كيرور أحزكوت” بدور المبادر والفاعل الأساسي، مع تقديم شكوى قضائية ضد متولي وقف الاستقلال (عام 2014) بادعاء منعها من التصرف “بممتلكاتها”، وطلبت من المحكمة الاعتراف أن “قسيمتها” من أرض المقبرة خالية من القبور، وقد طلبت المحكمة أن تفرض على المتولين إخلاء القبور في حال ثبت غير ذلك. وصار رد الفعل الجماهيري أقوى هذه المرة وتم تنظيم أهالي الأموات المدفونين في المقبرة، والاثبات نهائيًا أن منطقة المقبرة كلها تحتوي على قبور. وفي نهاية المطاف فرض الضغط الجماهيري وأحقية الموقف والعمل المهني للمدافعين عن القضية من متولين ومحامين ومخططين على المحكمة أن ترفض طلبات المعتدين.
نجد أنفسنا اليوم أمام موجة جديدة من المؤامرات من قبل “المستثمرين” وهيئات التخطيط والسلطات المختلفة للاستيلاء على أرض المقبرة وطرد سكانها الأموات – الصامدين حتى بعد وفاتهم. لذلك، أقام متولي وقف الاستقلال، مرة أخرى، خيمة اعتصام على أطراف المقبرة (تحت رعاية لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية في الأراضي المحتلة منذ 1948) وتم إطلاق دعوة عامّة للالتفاف حول الخيمة وللمشاركة الفعالة في النضال لإنقاذ المقبرة وإفشال هذه المؤامرات الجديدة أيضًا.
يوم الجمعة، 17\12\2021، بدعوة من حراك حيفا، قمنا بزيارة خيمة الاعتصام والتقينا بمتولي الوقف وممثلي اهالي المدفونين في المقبرة. وقد شرح لنا، باسم لجنة المتولين، كلّا من الحاج فؤاد أبو قمير والمحامي خالد دغش عن حيثيات القضية من تاريخ المقبرة ومسلسل المؤامرات للاستيلاء عنها والمعركة الجماهيرية والقانونية للحفاظ عليها. وبحثنا معًا سُبل استمرار النضال، باعتباره نضالا من أجل الحق ومبادئ الإنسانية ورمزًا وطنيًا يوحد أهل حيفا، هذه المدينة التي كانت وما زالت عربية فلسطينية. وقمنا بزيارة المقبرة برفقة الأخ طلب أبو عيشة، العضو في لجنة أهالي المدفونين في المقبرة، ودلّنا على موقع قبر جده الشهيد. وقد وعدناه بالعودة إلى الخيمة في وقت قريب لكي نواصل النضال.
(تم نشر تقريرَيْن أخرَيْن حول قضية مقبرة القسام باللغة الإنجليزية في مدونة “Free Haifa” وباللغة العبرية في مدونة “חיפה החופשית”)
Trackbacks & Pingbacks