محمد القيق – علم فلسطين مرفوع في العفولة

كان سكان قرية العفولة العربية الفلسطينية في مرج إبن عامر من أول ضحايا النكبة والتطهير العرقي الصهيوني. كانت العفولة (وإلى جانبها “الفولة”) قرية زراعية وملتقى تجاري هام – وكانت موقع تفرع الخط الجديد للقطارالذي بُنيّ بين 1912 و 1915 ليصل جنين ونابلس وطولكرم بالخط الرئيسي من حيفا إلى درعا ومن ثم شمالًا إلى دمشق واسطنبول أو جنوبًا إلى المدينة المنورة.
وبالرغم من وجود العفولة على خريطة فلسطين منذ آلاف السنين، تحت أسماء شبيهة، فقد تم “شرائها” وصارت تحت ملكية عائلة السرسق الاقطاعية البيروتية في سبعينيات القرن التاسع عشر، ومن بعدها تم بيعها للصهاينة في عشرينيات القرن العشرين. وقد وجدتُ أثناء بحثي في كتب التاريخ بأن عدد سكان العفولة قبل التهجير بلغ تقريبًا ستمائة نفر فقد رفض معظم مائة عائلات العفولة القبول بأي تعويض، فتم إخلاؤهم قسرا من البلد عام 1925.
اضراب محمد القيق الأسطوري يعيد للعفولة هويتها
غابت العفولة على خريطة العمل الوطني الفلسطيني منذ تهجير سكانها الأصليين وحتى وصول الأسير المضرب عن الطعام محمد القيق إلى مستشفاها مكبلا. هنالك خط مباشر يربط عناد أهل العفولة الفقراء الذين رفضوا التعويض وأصروا على رفض طردهم من أراضيهم وبين عناد

العلم الفلسطيني مرفوع امام مستشفى العفولة
الصحفي البطل محمد القيق الذي رفض أن يقبل بالإعتقال الإداري ورفض تناول طعام السجانين لمدة 94 يومًا.
تقع العفولة وسط محيط عربي، بين مدينة الناصرة على جبال الجليل واكسال ودبورية ومجموعة “القرى الزعبية” و”العمرية” في المرج وأم الفحم وبناتها على تلال وادي عارة، وبالتالي يشكل العرب أغلبية المرضى في المستشفى وأغلبية زوَّار المرضى وقسم كبير من طاقم الأطباء والعاملين، وأيضًا، سواء شئنا أم أبينا، قسم ملحوظ من حراسها وشرطتها. فقد اتخذ هذا الحضور العربي المكثف ولكن “العابر” في العفولة مفهومًا جديدًا مع وجود محمد القيق في المستشفى كرمز حي للهوية لفلسطينية المقاوِمة. فقد تجمعت حول سرير محمد نخبة من الناشطين المخلصين، وصار القسم الذي تواجد فيه مركزا للزيارات وملتقى للناشطين والقيادات ووسائل الاعلام العربية من كل أنحاء الوطن (أو، على الأقل، من الأراضي المحتلة منذ 1948). فقد التحم العديد من المرضى والزوَّار والعاملين في المستشفى في هذا الجمع التضامني الانساني الوطني.

مظاهرة لحراك حيفا نصرة لاضراب محمد القيق
للصراع بين فلسطين واسرائيل جوانب عديدة تشمل الإنسان والأرض والرواية والوعي والأخلاق وكلها مركبات في صراع القوى التناحري بين الحق والباطل… ويجد في هذا السياق مكان خاص للصراع على هوية الفضاء. فقد ظهرت العفولة وتميَّزت كرمز للعنصرية عندما تظاهر المئات من سكانها الصهاينة ضد قيام أبناء القرى المجاورة من العرب الفلسطينيين بشراء أراضي للبناء فيها. وأتى محمد القيق، هذا “العفّولي” المؤقت قسرًا، وأعاد للمدينة بعضا من هويتها الأصلية، وبفضله ارتفع فيها العلم الفلسطيني على أكتاف المتظاهرين في وقفات التضامن على مداخل المستشفى.