تخطى إلى المحتوى

كيف انطلقت (عام 1988) أوّل مظاهرة حيفاويّة للتضامن مع الانتفاضة؟

نوفمبر 23, 2013

كيف انطلقت (عام 1988) أوّل مظاهرة حيفاويّة للتضامن مع الانتفاضة؟

اللجنة الشعبية الحيفاوية تعمل اليوم، بمشاركة كلّ الأحزاب والحركة الوطنية، على التحضيرات لـ”يوم الغضب” ضدّ ترحيل عرب النقب نحو المظاهرة الشبابية القُطرية المخطّطة ليوم السبت القادم 30\11\2013. التقينا على أبواب إحدى المدارس لتوزيع المناشير، وتكلّمنا عن صعوبات تنظيم الحركة. وقال لي أحد المنظّمين: “أكيد في السبعينيات والثمانينات كان العمل الوطني في حيفا يمشي بشكل أحسن”.

وأكّدت له أن الدنيا تسير إلى الأحسن وأنهم في السبعينيات والثمانينيات كانوا يلاحقوننا ويعتقلوننا على توزيع المنشور، وقبل المظاهرة. وتذكّرت القصة التالية التي تدلّ على صعوبة العمل في تلك الأيام…

انطلاق الانتفاضة وغياب الآليات للتحرك

انطلقت الانتفاضة في التاسع من شهر ديسمبر كانون ثانٍ 1987 من خلال موجة غضب جماهيرية عفوية بعد مقتل أربعة عمّال من مخيّم جبالية في قطاع غزة في حادث طرق في طريق عودتهم من العمل.  وردّ جيش الاحتلال على الاحتجاجات بالعنف والقتل ولكن كلّ محاولات القمع لم تخمد نار الانتفاضة بل زادت من إصرار الجماهير، وصار الشهداء يسقطون بالعشرات يوميًا والجرحى والمعتقلون يُعدّون بالألوف وعشرات الألوف.

كانت أوّل مظاهرة تضامن مع الانتفاضة في “الداخل” (في المناطق المحتلة منذ 1948) في معهد التخنيون في حيفا، نظّمتها لجنة الطلاب العرب، في 12\12\1987. ودعت إدارة التخنيون الشرطة لتفريق مظاهرة الطلاّب الصامتة، وانتشر رجال الشرطة يلاحقون الطلاب بين مباني المعهد لأجل اعتقالهم.

لاحقًا جاء الردّ الأوسع في الداخل بإعلان الإضراب العامّ يوم 21\12\2013 من قبَل لجنة المتابعة للجماهير العربية، أسمَته المتابعة “يوم السّلام” وأسمته أبناء البلد “يوم فلسطين”. وتجاوبت الجماهير في الداخل مع نداء الانتفاضة وهبّت في يوم غضب عارم حيث ملأت الشوارع في مظاهرة حاشدة وأغلقت عدّة طرق رئيسية منها شارع وادي عارة.

أمّا في حيفا “التعايش” فلم يكُنْ من ينظم احتجاجًا جماهيريًا عارمًا بقدر الحدث… وكان فرع أبناء البلد في مرحلة التشكيل والحزب الوحيد المتجذّر بين الجماهير العربية كان الحزب الشيوعي.

كنّا نلتقي بين الحين والآخر في أحد النوادي في إطار تنسيقيّ كان اسمه “أركان قوى السلام” مع بعض الناشطين من “حركات السلام” الصهيونية؛ وطرحنا عليهم تنظيم مظاهرة تضامنًا مع الانتفاضة أو، على الأقل، تنديدًا بالاحتلال وبقتل المتظاهرين… وكان الجواب إن الجماهير اليهودية غير مهيّأة لمظاهرة من هذا القَبيل. وإذ طرحنا أنّنا نعتمد على الجماهير العربية لتنظيم المظاهرة، قالوا إنّ مظاهرة يقودها العرب في حيفا قد تسيء إلى علاقات التعايش في المدينة…

الخطّة

مرّت عدة أشهر قبل أن وضعنا الخطة لتنظيم مظاهرة التضامن الجماهيرية الأولى مع الانتفاضة في حيفا…

أخذنا رخصة للقيام بمسيرة يوم الجمعة في ساعة انتهاء دوام المدارس، واتفقنا أن تنطلق المسيرة في مسارين، من قرب مدرسة المتنبي الثانوية الحكومية ومن قرب المدرسة الأرثوذكسية، ويلتقي المساران عند مدخل وادي النسناس لكي تلفّ المسيرة شوارع الواد، لمنح الفرصة لانضمام الأهالي، ومن ثم تصعد في طريق “حيّ الهادار” وصولاً إلى عمارة البلدية.

والجدير ذكره أننا قبل ذلك بسنة أو بسنتين طلبنا رخصة لمظاهرة أخرى في حيفا ضدّ الاحتلال – ورفضت الشرطة هذا الطلب، فتوجّهنا بالتماس إلى المحكمة “العليا” التي أجبرت شرطة حيفا على ترخيص المظاهرة… ومن هنا صار إجراءات الترخيص أهوَن علينا في هذه المرة.

وزّعنا المناشير وألصقنا “البوسْتِرات”  في كلّ أنحاء حيفا – وكان ملصق الدعوة مميّزًا عليه صورة ولد من “أطفال الحجارة”.

كان اعتمادُنا على الرّوح الوطنية عند الطلاب الثانويين، فالكادر الذي كان يجهّز للمسيرة لا يزيد عن عشرين أو ثلاثين من الناشطات والناشطين، وقد وصلت الأمور إلى حدّ أننا في منشور الدعوة للمسيرة طلبنا من الطلاب أن يُحضروا لافتات من إنتاجهم.

اليوم الحاسم – الانطلاقة رغم كلّ العراقيل

في ليلة الخميس، قبل انطلاق المظاهرة، وصلنا الخبر أن بعض المعارضين لفكرة المظاهرة يدعون الطلاب، وخصوصًا في المدرسة الأرثوذكسية، إلى عدم المشاركة ويحذّرونهم أن المظاهرة غير مرخّصة. ولكن صدفَ أنّ صحيفة “كول بو” المحلية العبرية في صباح الجمعة نشرت خبرًا عن المظاهرة المرتقَبة ذكرت فيه أن الشرطة منحت الترخيص للمظاهرة؛ فقمنا باكرًا بتصوير المقالة وتوزيعها على أبواب المدرسة.

قبل الساعة المخططة للمظاهرة وصل مفتّشو وزارة المعارف إلى مدرسة المتنبي الحكومية وأمروا بإغلاق أبوابها وعدم السماح لأيّ طالب بمغادرة المدرسة والانضمام إلى المسيرة. أشعل هذا الحَبْس غير المتوقع غضب الطلاب فقام بعضهم بتكسير أبواب المدرسة والآخرون قفزوا من شبابيك الطابق الأول؛ وبهذا زاد الاهتمام بالمظاهرة وانطلقت بحماس متزايد.

أمّا إدارة المدرسة الأرثوذكسية الأهلية فقد أغلقت أبواب المدرسة وأنهت الدوام في تمام الساعة العاشرة صباحاً لكي تمنع تزامن “حَلّة” المدرسة مع توقيت المظاهرة. إلاّ أن بعض الطلاب رابطوا على أبواب المدرسة ثلاث ساعات ينتظرون انطلاق المظاهرة وبعض الآخرين رجعوا من بيوتهم في الساعة الموعودة…

المظاهرة وعلم الكرتونة

وانطلقت المظاهرة في المسارين وتوحدا المسارين في شارع اللنبي ولفّت المسيرة شوارع الواد ووصلت شوارع الهادار والبلدية… ووصل عدد المشاركين إلى بعض المئات مع مرورنا في شوارع وادي النسناس. وكان مرورنا في الوادي وفي الهادار في ساعات الازدحام من ظهر الجمعة.

وإذا لم يحصل صدام مع الشرطة ومع أصحاب الدكاكين والجمهور اليهودي في الهادار فظنّي أن السبب هو عامل المفاجأة لظهور هذه المظاهرة الفلسطينية الغاضبة في شوارع حيفا.

في تلك الأيام كان رفع العلم الفلسطيني ممنوعًا، ومن يُدان بهذه “التهمة الخطيرة” يمكن أن يقضي عدّة شهور في السجن، ولذلك لم نجرَأ على رفعه في وَضَح النهار في حيفا (عن “النضال الليلي” يمكن أن يُكتب في فرصة أخرى). عندما وصلت المظاهرة إلى البلدية شكرنا الطلاب وجمعنا منهم اللافتات التي جهّزوها، فوجدنا أن بعض الطلاب رسموا العلم الممنوع على الكرتونة وحملوه معهم طيلة مسار المظاهرة!… وقد حمدنا ربّنا أننا لم ننتبه (نحن المنظمون، وأهمّ من ذلك الشرطة) إلى هذه المعجزة.

(الصورة أعلاه من تظاهرة يوم السجين 17\4\1988 على جبل الكرمل فوق سجن عتليت، حيث كان يقبعون أسرى الانتفاضة).

العقاب على المشاركة

عندما نشرتُ قصة مظاهرة الطلاب عام 1988 على الفيسبوك، عقّب سمر مراد، طالب في الكلية الأرثوذكسية في ذلك الوقت وناشط دوّار الساعة في يافا الآن ومفصول من الحزب الشيوعي عام 1997:

“أذكر يومها أننا خرجنا من الكلية الأرثوذكسية بعد أن تراجع الحزب الشيوعي في حيفا عن المشاركة، وقام أحد الرفاق المسؤولين بإبلاغي القرار الحزبي كوني عضو في الحزب. ورفضت القرار وخرجنا للمظاهرة. وقام الرفيق نفسه بتسجيل أسماء الرفاق المشاركين. في اليوم التالي صباحًا قادني الرفيق إلى المكتب للتحقيق معي لعدم انصياعي لقرار الحزب. تمّ توبيخي حالاً واتصل بالرفيق أبو علي سكرتير أم الفحم الذي رفض فصلي.”

عن مصير العَلَم الذي رسمه الطلاّب

وتعقيب من إيريس بار:

كمالة قصّة علم الكرتونة…. بسّ انتهت المظاهرة، أخذتُ العلم – أوّل علم فلسطين رفعته علنًا الجماهير في حيفا منذ سنة 1948، وعلقتُه على الطرف الداخلي لستارة كانت تغطي أحد شبابيك دارنا… وفي إحدى الليالي الشتوية الماطرة، بعد منتصف الليل، وأنا في الدار لحالي مع ابني الصغير، دخلتْ على البيت قوّات من الشرطة مع أمر تفتيش… وبعد دخولهم إلى البيت توجّه قائد المجموعة مباشرةً إلى الشباك وفتحه ليخبر زملاءَه الذين كانوا ينتظرونه في السيارة أنه تمت السيطرة على الهدف… وعندما فتح الشرطي الشباك أصبح العلم مُخبأ وراء الستارة، بين الشباك والحائط….

كان برد الليل قارص، المطر دخل على البيت، وأنا قاعدة مع طفل عمره شهور، أرتجف من البرد وأصلّي “يا ربّ، ما تخلّيهم يسكّروا الشباك”…

هل لديك\ي معلومات أو ذكريات إضافية من هذه المظاهرة؟

أرسلها من فضلك عن طريق التعقيب أو إرسال رسالة إلي yoav.haifawi@gmail.com لنشرها في المدوّنة.

2 تعليقان
  1. السلام عليكم
    بارك الله فيكم
    تدوينة رائعة
    http://kollshi17.com/

Trackbacks & Pingbacks

  1. أبناء البلد حيفا تحتفل بـ25 عامًا من النضال | حيفا الحرة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: